راحة الوجدان وطريق الجنان
هل يعقل مايحدث الآن !
تقول العرب : حدث العاقل بما لايُعقل فإن صدّق فلا عقل له !
ويقصد بهذه العبارة أو المثل سمّه ماشئت وهو أنك إذا أردت أن تختبر عقل أحدهم فقل له شيئا لايخضع لمقاييس العقل والمنطق فإن أخذ بهوصدقه فاعلم أنه بلا عقل وليس كما كنت تعتقد وتتوسم فيه بأنه من أهل الحلم والعقل …
وفي زمننا هذا انقلبت الموازين وانتكست الفِطر الإنسانية وانتشرت البدع وأخذت تزاحم الدين والحجج والبراهين حتى اعتنقها الناس وطغامالبشر وكأنها شريعة سماوية لايقبلون فيها النقاش ولا الجدل ولاحتى المراجعة حتى لو لم يكن يعلم مصدرها ولا منشئها فهي بالنسبة له من المُسلمّات والثوابت التي لاتقبل شكا ولاجدلا !
وياليته يكتفي بالاعتقاد بهذه البدع ويجعلها وقفا عليه لا ياعزيزي ، بل يتحول إلى داعية علامة يمتطي صهوة جواد الفقه والإفتاء ويريد منك أن تعمل بها فإذا رفضتها بحجة أنها بدعة غريبة لاتوافق حتى المنطق وطالبته بالدليل ، شهر عليك سيف لسانه وزمجر وأرعد وأزبد وأنت تترقب الدليل الناصع بعد هذا الصوت المرتفع والنقاش المحتدم وستمطر سماءه الملبدة بغيوم الجهل علما وسيأخذك في جولة من البراهين والقرائن والأدلة والحجج من كتاب الله وسنة نبيه وأهل بيته عليهم الصلوات الدائمات وأتم التسليم ثم يفاجئك بصاعقة لم تحسب حسابهاويقول لك بلهجته العامية ( شقومك كنك مشكك ؟ انها في مذهبنا !!
وكأنه قد أتى لك بالبراهين النيرة والدر المكنون من الأدلة والنصوص التي لاتقبل منك إلا أن تسلم بها فورا وإلا اتهمك علامة زمانه وعبقريالاستراحات بأنك مخالف ولابد لك من مراجعة دينك
ولاأدل على كلامنا هذا من بدعة وضيعة خرجت من العدم ولايُعرف قائلها ولامبتدعها ولافي أي أرض خرجت ولا في أي وادٍ درجت حتى بنتأعشاشها وفرخت وباضت في قلوب وعقول عوام الناس والكسالى وكل موتور كأن بينه وبين العبادة والصلاة ثأرا وحربا ضروسا ويريدالخلاص منها بأي طريق كانت وإن كانت طريقا مليئة بشوك البدع ،وحفر النيران ، وكأنه لم يسمع بالوعيد والنذير في القرآن العظيم وفيسنة النبي المصطفى المختار صلى الله عليه وآله وسلم
وأقصد هنا بدعة التحذير من صلاة الشفع والوتر والعياذ بالله ، يقولون فيها أنه يجب عليك أن تنتبه من أن تصليها لأنك ماإن تصليها مرة حتى تصبح لزاما وفرضا عليك مادمت حيا ولذلك انتبه حتى لاتُفرض عليك فلا تصليها أبدا !
فنقول لهؤلاء الجهلة المجاهيل الضالين خبتم وخاب مسعاكم
ونحن من سيعرض الأدلة الحاسمة على وجوب صلاة الشفع والوتر وفضلها وأنها من فرائض السنن التي يجب على المؤمن الحفاظ عليهاوقضاؤها إذا فاته وقتها
أين أنتم من قوله تعالى في سورة الفجر وهو يقسم بهذه الصلاة العظيمة بسم الله الرحمن الرحيم (( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِوَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) ))
ولو لم يكن إلا هذه الآيات العظيمة من الذكر الحكيم لكفى بها دليلا ناصعا وبرهانا مبينا ونعمّا هي
وقوله في سورة الإسراء (( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) ))
هل تعلم كيف يكون مشهودا وكيف تحفك الملائكة وقد خلوت بربك في هذه الأوقات المباركة تصلي الشفع والوتر وتدعووتسجد وتنتظر صلاة الفجر وقد زارتك الملائكة ووُكلت بك
فماذا قال سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم
قال أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن في الجنة شجرة تخرج من أصلها خيل بلقٌ، لاتروث ولا تبول مُسرجة ملجمة، لُجُمها الذهب وسُرُوجها الدر والياقوت، فيستوي عليها أهل عليين، فيمرون على من أسفل منهم، فيقول أهلالجنة : أي ربِّ، بما بلغت بعبادك هذه الكرامة؟ فيقال لهم: كانوا يصومون النهار وكنتم تأكلون، وكانوا يقومون الليل وكنتم تنامون، وكانوايتصدقون وكنتم تبخلون، وكانوا يجاهدون وكنتم تَجْبنون.
فانظر واقرأ واعتبر أخي المؤمن وأختي المؤمنة كيف تكون كرامة من يحافظ على الصلاة ويقوم الليل وترتفع درجته إلى مقامات محمودة كريمة عظيمة في جنات الخلد حتى على من دخل الجنة وياله من فوز عظيم
وقد أورد القاضي النعمان في الدعائم عن سيدنا جعفر الصادق بن محمد بسنده عن أبيه عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
نجوا أنفسكم ، اعملوا وخير أعمالكم الصلاة
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : الصلاةُ قربان كل تقيّ ، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : لكل شيء وجه ، ووجه دينكم الصلاة
وتفكروا في هذا الحديث العجيب الذي أورده القاضي النعمان رضوان الله عليه عن سيدنا جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه أنه قال: إذا قام المصلي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى الأرض ، وحفّت به الملائكة ، ونادى مَلَكٌ : لو يعلم المصلي ماله فيالصلاة ماانفتل ، (أي ماتركها ولاانقطع)
بل هل علمتم أيها المؤمنون أن للمصلي الخاشع العابد كرامة عظيمة ليست إلا له ! وهي أنه إذا أقبل المصلي بوجهه على الله وَكّل به ملكايلتقط القرآن من فيهِ التقاطا يعني يلتقط القرآن من فمه مادام يقرأ في صلاته
ويالها من كرامة …
والدليل هو ماأورده القاضي النعمان رضي الله عنه وأعلى قدسه وأسنى درجته في عليين عن سيدنا أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهالسلام أنه قال : إذا أحرم العبد المسلم في صلاته أقبل الله عليه بوجهه ووكّل به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا ، فإذا أعرض أعرض اللهعنه ووكله إلى الملك
يارب ماألطفك وماأعظمك
ولو أردت استعراض الادلة على عظمة وأهمية وقدسية الصلاة لطال بنا المقام وخرجنا عن حد المقال
إلى المجلدات الطوال
وإن كان الحديث عن الصلاة لهو العذب الزُلال
ونعود إلى صلاة الشفع والوتر ونقول أنها واجبة بالدليل الحاسم والبرهان الناصع ولاأدل على قولنا هذا مما أورده القاضي النعمان فقيه الدعوة الأول وقاضي قضاة الفاطميين عليه رضوان الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام في وجوب صلاةالشفع والوتر والقضاء على من فاتته حيث أورد في الدعائم في كتاب الصلاة في فصل (ذكر الوتر وركعتي الفجر والقنوت )
حيث قال : روينا عن جعفر بن محمد عليه السلام عن أبيه عن آبائه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بالوتر
وهنا أخي المؤمن وأختي المؤمنة أمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله يقول في محكم تنزيله (( وماآتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا ))
ويكمل القاضي النعمان رضوان الله عليه فيقول : وأن عليا عليه السلام كان يُشدّدُ فيه ولايرخص في تركه وقال : من أصبح ولم يوتر فليوتر إذاأصبح ، فسرها القاضي النعمان وقال يعني يقضيه إذا فاته
وكذلك ماأورده القاضي النعمان رضوان الله عليه عن سيدنا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وهو يفسر القرآن أنه قال في قول الله عزوجل : ((وَمِنَ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُوم )) قال : هو الوتر من آخر الليل
ونزيدكم من البيان بيانا ومن القول كتابا ومن الشعر معلقة لابيتا وهذا الدليل الحاسم والمهم والقاطع لكل قول
ماأورده الداعي العالم سيدنا الفيض علي بن سليمان بن الحسن قدس الله أرواحهم أجمعين في كتابه الشهير إسعاف الطالب الذي جمع فيه المسائل الشرعية والفقهية وجعله نسقا ومرتبا على أبواب الدعائم للقاضي النعمان حيث أورد في باب ( ذكر صلاة الوتر وركعتي الفجروالقنوت ) ردا على أحد الأسئلة وكان السؤال كالآتي (( ولو صلى رجل الشفع ثم دخل المسجد وصلى تحية المسجد وعاد وقت الشفع أعادالشفع أم لا ؟
فكان الجواب : يعيد الشفع لانه ليس له أن يصلي بعده حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر صلى التحية ثم يصلي الفجر
وأكمل بعدها الجواب وهنا شاهد الحديث والدليل الحاسم على وجوب صلاة الشفع والوتر وقال : قال في معالم الدين : {فصلاة الوتر واجبة لارخصة في تركها وهي من لواحق الفرائض وإن كانت سُنةً}
بل من دواعي العجب لفحش جهلهم ومن تبعهم وصدقهم أنهم لم ينتبهوا لنية الشفع والوتر أنها أداء وليست تطوعا !
فكيف بعد هذه الادلة القاطعة لكل بدعة وضلالة أن يتردد المؤمن الموالي ويترك هذه الصلاة أو يشك لمجرد الشك في عظمتها وأهميتهاووجوبها وهي كما أورده الداعي الفيض قدس الله روحه أنها واجبة لارخصة في تركها وهي من لواحق الفرائض
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من رغب عن سُنتي فليس مني ) فكيف بالعاقل الذي لديه أدنى مسكة من عقل ونباهة أن يجادل في هذا الأمر العظيم والسنة الكريمة المقدسة
ويل لأصحاب البدع ومن استن سنة سيئة وتحمل أوزار الناس من لعنة تلحق به وقد حذر سيدنا محمد بن علي الباقر حيث قال : من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عَمِل بفتياه
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( اتبعوا ولاتبتدعوا فكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )) أجارنا الله وإياكم من النار وأهلها ونعوذ به من سوء المنقلب وكآبة المنظر والمصير البائس ولاحول ولاقوة إلا بالله
وأذكركم بقول أمير المومنين عليه السلام عن أهمية وعظمة الصلاة بل هي عمود الدين ، بل لا حَظَّ لمن تركها في الإسلام والعياذ بالله بل لايُنظرفي أي عمل لك قبل الصلاة وقبول أعمالك يكون بعد قبول صلاتك لعظمتها وأهميتها ، وإن لم تصح ولم تُقبل لم ينظر الله في أعمالك الباقية فكيف بعد هذا تتردد أو تفكر في التفريط فيها
عن علي عليه السلام أنه قال : الصلاة عمود الدين ، وهي أول ماينظر الله فيه من عمل ابن آدم ، فإن صحّت نُظر في باقي عمله ، وإن لم تصح لم يُنظر له في عمل ، ولاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة
بل إن هناك مايدعوك للخوف والوجل والحفاظ على صلاتك والرباط بين كل صلاة وصلاة وهو عندما تتفكر في سيرة سيدنا زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام الذي أورد عنه القاضي النعمان أنه كان إذا توضأ للصلاة وأخذ في الدخول فيها ، اصفرّ وجهه وتغير لونه فقيل له مرة في ذلك ؟ فقال : إني أريد الوقوف بين يدي ملك عظيم !!
حتى أنه قال لبعض أصحابه مرة ، أتعلم أنه لايقبل من صلاة العبد إلا ماأقبل عليه ، فقال له : يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد هلكنا إذا ، قال : كلا وإن الله يُتم ذلك بالنوافل
وهنا فائدة عظيمة أيضا ننوه لها ونستفيد منها في قول زين العابدين عليه السلام على أهمية وعظمة السنن والنوافل لأنها تُتم الصلاة وترفع التقصير والخلل الذي يصدر من المؤمن في الفروض الخمسة وأتعجب من فئة أخرى منحرفة عن جادة الصواب والشرع والسنة النبوية تكتفي بالفرض في كل صلاة وتترك السنن والنوافل بحجة أن صلاة الفرض تكفيهم ويفتون في دين الله بجهل عشواء تتخبط في حنادسالليل وهذا زين العابدين عليه السلام يصليها ويأمر بها ويخبر أصحابه بأهميتها وهو من يُضرب به المثل في عبادته وزهده وخلقه وخشوعه
ياللعجب
من أين أتى هؤلاء المبتدعة بهذه الأقوال الشنيعة والبدع ؟ وماهو دينهم ؟ وماهي شريعتهم ؟ وماذا يريدون من نشر خرافاتهم وجهلهم وضلالهم ، بل أين يتاه بهم وفي أي وادٍ يهيمون
ونختم بهذا الحديث العظيم عمن فرط بصلاته وأضاع آخرته واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :
بُنيت الصلاة على أربعة أسهم، سهم منها إسباغ الوضوء، وسهم منها الركوع وسهم منها السجود، وسهم منها الخشوع، فقيل : يا رسولالله، وما الخشوع ؟ قال : التواضع في الصلاة، وأن يُقبل العبد بقلبه كله على ربّه ، فإذا هو أتم ركوعها وسجودها وأتم سهامها المذكورة صعدت إلى السماء لها نور يتلألأ ، وفتحت أبواب السماء لها، وتقول: حافظت عليَّ حفظك الله وتقول الملائكة : صلى الله على صاحب هذهالصلاة، وإذا لم يتم سهامها صعدت ولها ظلمةٌ، وغُلقت أبواب السماء دونها، وتقول: ضيعتني ضيعك الله ، ويضرب بها وجهه
وفي ختام هذه المقالة كنت قد عقدت العزم على أن تكون المقالة مختصرة مقتضبة ولكن القلم أبى كعادته إلا أن يصب جام أفكاره وإعلامه متمردا على العرف والاتفاقات التي أجريتها معه على أن يكون توضيحا مختصرا فإذا بي أفاجأ به وقد أعرض عن اتفاقي معه وكأن لسان حاله يقول لابد لنا من وقفة وبيان ،
تجاه هذا العبث من المبتدعة والصبيان ،
ولم أستطع كبح جماحه والإمساك برسنه وهو الطامح الجموح إلا بعد جهد واجتهاد ومصاولة واستعداد
فهلمّ أخي المؤمن وأقبل على ربك واسع لنجاتك ، وهي في صلاتك ، وهي التي يلجأ إليها العبدُ وقد أنهكه التعب وعصفت به عواصف الفكرالعاتية وأخذت الاحزان منه كل مأخذ واعتقد أن الأبواب قد غُلقت دونه وفي وجهه فيذهب ويتوضأ وماإن يكبر ويحرم ويقبل على ربه بكل جوارحه ووجدانه وقلبه خاشعاً يرجو ماعند الله ، وماإن يسجد إلا وقد خرجت كل همومه مع دموعه التي جرت على مصلاه لايراه إلا اللطيف الخبيرالرحيم الرؤوف الودود فيغسل بها قلبه . وتنجلي كل همومه ويوكل به ملائكته فتتنزل عليه الرحمات ويرى بعدها اليسر والبركات ويعيش لحظات من السمو والراحة والسكينة والطمأنينة يتمنى معها أن لاتنقطع صلاته لما داخله من هذه الألطاف الإلٰهية واللذة التيلاتضاهيها أي لذةٍ ولو حيزت له الدنيا بحذافيرها
ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : أرحنا بها يابلال
اللهم صلّ على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وبارك وسلم عليهم تسليما
العبد الفقير لله
خادم العترة الطاهرة
حمدان هادي آل مخلص
تعليقات
إرسال تعليق