وقفة وبيان في استشهاد سيد الجنان

 بسم الله الرحمن الرحيم

يصادف هذه الأيام ذكرى استشهاد سبط وولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمام الحسين عليه السلام ومعركة كربلاء والدماء الطاهرة التي سالت في الطف والأحداث العظيمة التي جرت في العاشر من محرم سنة ٦١ للهجرة !

في هذا اليوم وهذه السنة تجرأت أمة رسول الله على ابن رسول الله الذي أوصاهم بحبه واتباعه وأخبرهم مرة بعد مرة أن الحسن والحسين أحب خلق الله إليه وأنهما بضعته وريحانتيه من الجنة فقررت هذه الأمة أمة الفجور أن تقتلهما تسميما وتقطيعا بل كان الكافر المجرم يزيد بن معاوية يفاخر بقتله الحسين عليه السلام وتعطيشه عندما أتوه بالرأس الشريف فتمثل بهذه الأبيات لعنة الله عليه


ليت أشياخي ببدر شهدوا 

جزع الخزرج من وقع الأسل 


قد قتلنا القرم من ساداتكم 

وعدلنا ميل بدر فاعتدل 


فأهلوا واستهلوا فرحا 

 ثم قالوا يا يزيد لا تسل 


لست من خندف إن لم أنتقم

من بنى أحمد ما كان فعل


لعبت هاشم بالملك فلا 

خبر جاء ولا وحى نزل


فتأمل رعاك الله أيها القارئ الفطن لهذا التصريح بالكفر واتهام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لم ينزل عليه وحي وإنه الملك الذي يريد يزيد أن ينتزعه من بني هاشم ! بل ويفتخر بقطع رأس أطهر خلق الله بأنه انتقام لأجداده الكفار المشركين الذين أبادهم الله بسيف أمير المؤمنين عليه السلام في معركة بدر الكبرى فتأمل لهذا الكلب أجلكم الله بل الكلب أرفع مقاما من هذا الكائن القذر

وكان سكيرا مستحلا لمحارم الله يلاعب القرود ويستحل الدماء واقتحم المدينة المنورة وأحدث فيها وسفك الدماء وروع الآمنين واغتصب ألف بكر من البنات الحرائر وقتل المئات من العلماء القُراء وخيار الناس وكان كافرا زنديقا خبيثا ومع كل هذا تجد أحد كبار المشايخ الوهابية يصف بيعة يزيد بأنها بيعة شرعية !!

بيعة شرعية ؟، وأين الشرعية في قتل من نزل في تعظيمهم كتاب الله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحبه حبا لاتعبر عنه معاجم اللغة ولاصحف البلغاء ولاكتب العلماء ولاصياغة الأدباء وبراعة الشعراء !

أين أنتم من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي رواه البخاري ومسلم (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل)

أليس يزيد حقيقٌ بهذه اللعنة بعد وقعة الحَرّة التي اقتحم فيها مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحدث فيها من القتل والاغتصاب مالم يفعله أحدٌ قبله ولابعده عليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين إلى يوم الدين


أين أنتم من قول الله تعالى في محكم كتابه (( قل لاأسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى )) فهل عملتم بكتاب الله أو بحديث رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أم خالفتم المودة بالبغضاء والمحبة للقربى بالقتل والتنكيل

تبا لكم وسحقا

أين أنتم من تفاسيركم وأقوال علماء الأمة من الطائفتين عن آية المباهلة وقوله تعالى (( فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين )) فأتى رسول الله بأطهر وأعز خلق الله عليه ابنته الزهراء البتول وبضعة الرسول ووصيه الإمام علي والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة للمباهلة

وهم أهل الكساء الذين وردت الاحاديث الصحيحة المتواترة في فضلهم والتشديد على التمسك بهم 

أين أنتم من حديث الثقلين إني تاركٌ فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقَرَن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين القرآن وأهل البيت عليهم السلام وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وبَشّر من استمسك بهما فلن يضل أبدا وموعده في الجنة يسقيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شربة مقدسة خالدة من يده الشريفة لايظمأ بعدها أبدا خالدا مكرما منعما فيها

  

لن أتكلم عن أحداث كربلاء ولااستشهاد سيدي الحسين عليه السلام في واقعة الطف الذي تجرأت عليه أمة جده في الأولين ومازال الآخرين يبررون ويختلقون الأعذار لمن تجرأ على هذا الجمال والقدس والطهر الحسيني وأنا لم أتجرأ أن أكمل المقالة قبل أن أتوضأ وأكون على طهارة تامة حتى يحق لي أن أصيغ هذه الكلمات المتدافعة من القلب والوجدان دون ترتيب مسبق عن أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، عن سبط وحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بكى عليه وهو حي وبكينا نحن من بعده لبكائه على سبطه وولده الحسين عليه سلام الله


كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لفاطمة عليها سلام الله دعي ابنيَّ أشمهما ، وكان يقول هما ريحانتاي من الجنة وقد روى الرواة من ضمنهم القاضي النعمان رضوان الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع بكاء الحسن والحسين عليهما السلام فقام فَزِعاً !مسرعا! نحوهما حتى علم حالهما

ثم قال ؛ إن الولد لفتنة لقد قمت وماأعقل !


يالهف نفسي فزعت إليهما يارسول الله لأنك سمعت بكاءهما ! فماذا لو رأيت ابنك الحسن وهو يلفظ طائفة من كبده من ثغره الشريف من قوة السم الذي وضعته جعدة بنت الاشعث زوجته في طعامه بعد أن حرضها معاوية ووعدها بالأموال بتزويجها ليزيد وشرط عليها قتل الإمام الحسن عليه السلام !

دموعك أغلى عندنا من الدر والياقوت وكنوز الأرض يارسول الله ولكنهم قتلوا فلذة كبدة وريحانتك من الجنة وفصلوا رأسه الشريف عن جسده ، أنا أعتذر يارسول الله كيف تجرأ قلمي أن يكتب عن أفعالهم ولكنها الحقيقة وأي حقيقة !!

ودعونا نطلعكم على رائعة الشاعر الكبير خليل العاملي وهو يخاطب الشمس ويعاتبها كيف لها ألا تحزن وكيف تشرق بعد هذه الفاجعة ! ويطلب منها أن تنطفئ وتلبس السواد وتتوارى حزنا على مقتل سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أوردتها كاملة لأنها تعبر عما في الضمائر ورائعة من روائع هذا المحب الموالي لأسياد الجنة وأبوهم عليهم صلوات الله وسلامه يقول في هذه الجوهرة الأدبية


يا شمسَ هذا الكون قومي واسردي 

ما قد جرى بالطفِّ ثم تشهّدي

 

وتألّقي نوراً بمصباح الهُدى

لولا مصابيح الهدى لم توقدي

 

يا شمسُ ما لي لا أراك حزينةً

وعلامَ لا تتعمّمينَ بأسودِ 


والقهر عمّ الكون مع أرجائه

حزناً على استشهاد أشرف سيِّدِ 


يا شمسُ قومي واشرئبّي واحزني

فالحزن يأخذنا لأشرف موعدِ

 

أنتِ التي قد كنتِ شاهدةً على 

إجرامهم آن الأوان لتشهدي

 

أنتِ التي شاهدتِ ظلمَ أميّة

للساهرين على رسالةِ أحمدِ 


في كربلاء لنا مواقف عزّةٍ 

لولا الشهادة والفدى لم تولدِ 


هل تذكرينَ على الطفوف مشاهداً

قرب الفرات لآل بيت محمدِ

 

هاتي اخبرينا عن ملاحم كربلاء

عن ذلك اليوم العظيم المَشهدِ 


وتحدّثي عن آل بيت المصطفى

وجهادهم ضدّ العدوِّ الملحدِ

 

وتنشّقي عطر النخيل فإنّه عبقُ 

النجيع وبلسمُ الجرحِ الندي

 

وإذا مررتِ على الطفوف فقبّلي

خدّ التراب بحسرة وتودُّدِ

 

فهناك قد خطَّ الجهاد ملاحماً 

بدمٍ أبيِّ الضّيْم لم يتبدّدِ 


بردَتْ حروب الكون رغم سعيرها

ودمُ الحسين بكربلا لم يبردِ

 

وإذا وقفتِ على مشارف كربلا 

فتيمّمي بدم الشهادة واسجدي

 

وتألقي بحضارة النهج الذي

يزهو به فجر الدَّم المتوقدِ

 

وتباركي حباً بآل المصطفى

حتى تظلِّي رمز كلِّ تجدُّدِ

 

فجميع ثورات الشعوب على المدى

لولا مآثر كربلا لم توجدِ 


حتى الحضارة لا تُساوي كلّها

من نهج آل البيت حرفاً أبجدي 


بالطفِّ قد وقف الحسين منادياً

يا أرض قرّي يا سماوات اشْهدي


صلّى صلاة الظهر في ساح الوغى

بين السيوف كأنه في مسجدِ 


وبنو أميّة يُطلقون نبالهم 

نحو الإمام الثائر المتعبّدِ 


فكأنه فوق الطفوف غضنفرٌ

وبنو أميّة كالقطيع الأجردِ

 

برقتْ سيوف أميّةٍ في كربلا

ظُلماً ورغم بريقها لم تَرعُدِ

 

لكنّهم خسئوا بكل فِعالهم 

ومحاهُمُ الفجرُ الحسينيّ الغدِ

 

لا بالسيوف تحقّقتْ آمالهم

أبداً ولا نالوا المآرب باليد

 

وإلى الحضيض هَوَوا بكل علوجهم

ومقام أهل البيت فوق الفرقد

 

أنا في أشد الخجل منك والوجل من الله وكيف نواجهك وفينا من الأراذل والجبناء والخونة الأوباش من سقط المتاع وسفاسف البشر والحثالات والحمقى ممن يجامل الشعراء النواصب الأراذل ويستقبلهم استقبال الفاتحين في بلاد همدان الذي قال عنهم أمير المؤمنين عليه السلام أنهم جُنته وحسامه وسيفه الذي يضرب به الاعداء ، ومن كانوا شيعة أهل البيت والإمام الحسين عليهم السلام صار أحفادهم يستقبلون النواصب في بلادهم ويحتفون بهم وتقام لهم الولائم والأفراح والليالي الملاح وأين ! في بلد الولاية والإيمان ؟ ومتى وفي أي زمان ؟  في محرم وذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، يستقبلونهم بعد أن تطاولوا على سبطك الحسين عليه السلام واستخفوا بمقامه الشريف في قصائدهم الكفرية التي أعلنوا فيها العداء صراحة للحسين وشيعة الحسين وراحوا يتسابقون على التصوير مع النواصب والسقط الأنجاس أعوان بني أمية وبيضة إبليس الرجيم وفرع الشجرة الخبيثة الذي أعلنوا عداءهم للحسين واصطفافهم في معسكر عمر بن سعد وعبيد الله بن زياد ويزيد ومعاوية ولو كان هذا الشاعر القبيح في زمن يزيد وابن زياد لكان في معسكرهم يحمل سيفه على سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحاصره ويمنعه من شرب الماء من الأنهار الفراتية ، هذا القبيح دميم الوجه الذي ماقبح الله وجهه إلا لحكمة يعلمها بأنه من الخبائث الناصبية والأنفس الخبيثة

واستقبله الحمقى الجهلة الأراذل من عبيد الدنيا وعديمي الولاء ، قاتل الله الجهل كيف يصنع بصاحبه


ولكن عزائي الوحيد في وجود الموالين المخلصين الأبطال أحفاد الأبطال الأشاوس الذين لم ولن يقبلوا بهذا الخزي والعار ولن يحيدوا عن حب الإمام الحسين وأهل البيت عليهم صلوات الله وسلامه واختاروا معسكر الحسين عليه السلام كما اختار الحُر الرياحي الآخرة واستشهد بين يدي الحسين عليهم سلام الله ، وحق لي أن أفاخر بشهادة وأبيات أمير المؤمنين عليه السلام لقبيلتي الشامخة العظيمة همدان التي خلدها بمدحه وثنائه في قصيدته المعروفة التي طارت بها الركبان واشتهرت في كل ميدان وزمان من ضمنها قوله


جَزى اللَهُ هَمدانَ الجِنانَ فإِنَّهُم

سِمامُ العِدى في كُلِّ يَومٍ خِصامِ

لِهَمدانَ أخلاقٌ وَدينٌ يَزينهُم

وَلينٌ إِذا لاقوا وَحُسنُ كَلامِ

وَجَدٌّ وَصِدقٌ في الحُروبِ وَنَجدَةٌ

وَقَولٌ إِذا قالوا بِغَيرِ إِثامِ

مَتى تَأتِهِم في دارِهِم لِضيافَةٍ

تَبِت عِندَهُم في غِبطَةٍ وَطَعامِ

أَلا إِنَّ هَمدانَ الكِرامَ أَعِزَةٌ

كَما عَزَّ رُكنُ البَيتِ عِندَ مَقامِ

أَناسٌ يُحِبّونَ النَبيَّ وَرَهطَهُ

سِراعٌ إِلى الهَيجاءِ غَيرَ كَهامِ

فَلو كُنتَ بَوّاباً عَلى بابِ جَنَةٍ

لَقُلتُ لِهَمدانَ اِدخلوا بِسلامِ


وأقول مفاخرا بقبيلتي همدان بكل اعتزاز وسمو وشموخ وبأجدادي الأشاوس الأكارم الموالين الزاهدين المخلصين


أولئك آبائي فجئني بمثلهم … إذا جمعتنا ياجريرُ المجامعُ


يقول أسامة بن زيد طرقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله ذات ليلة لحاجة عرضت لي ، فخرج إليّ وهو مشتمل على شيء لم أدر ماهو ، فلما فرغت من حاجتي قلت : مالذي أنت مشتمل عليه يارسول الله ؟ فكشف وإذا الحسن والحسين عليهما السلام على وركيه قد احتضنهما فقال :

هذان أبنائي وابنا بنتي ، اللهم إني أحبهما وأحب من أحبهما


وأنا أشهدك يارسول الله وأشهد ملائكتك وأنبيائك وكتبك ورسلك والناس أجمعين أني أحبك وأحبهما وأحب أمهما الزهراء وأبوهما وصيك وحبيبك الإمام ابن الإمام وسيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه السلام وأيما حب يارسول الله والذي نفسي بيده لو قطعت إربا ثم جمعت أشلائي وقطعت مرارا في سبيل حبكم مازادني هذا إلا حبا وولاءً وشوقا لاتصفه الحروف المقطعة ولاالجمل المدبجة بأجمل البيان ولو زخرفت بأبرع ماكتب الإنسان منذ نشأة الكون إلى نفخة الصور

وليست يدي التي تمسك بالقلم بل هو قلبي النابض بهذا الحب لكم والبغض لأعدائكم الذين مازالوا يحملون لنا الغيض والبغضاء فقط لأننا أردنا أن نكون من شيعتكم حتى وصل بهم الغيض أن ألفوا الكتب والرسائل والمطولات في تبرئة يزيد بل وصل بهم الأمر أن جعلوه أميرا للمؤمنين عندهم عليهم وعليه لعائن الله المتواليات ، وهنا لاتعلم هل تضحك من حمق وقذارة هذه الطفيليات أم تبكي لما وصلت له هذه الأمة من النصب والعداء لأبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 


يُروى عن عمر أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عاتقيه الحسن والحسين فوجدت عليهما نَفاسَةً ( النفاسة من التنافس والحسد أي حسدهما )

فقلت : نعم الفرس تحتكما

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونعم الفارسان هما


وهنا إشارة عظيمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رده على عمر الذي اعترف أنه قد نفسهما وحسدهما عندما رآهما على عاتق جدهما الشريف فرد عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ردا يدل دلالة تامة على عظمة مكانهما حين قال ونعم الفارسان هما


أخي المؤمن أختي المؤمنة ماذا لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاضرا في الطف وكربلاء ورأى خد الحسين عليه السلام مضرجاً بالدماء ، وثغره الشريف قد بانت عليه إمارات العطش والظمأ رغم وجود الفرات والأنهار بجانبه ولكنه مُنع منها ، ماذا لو سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صرخات سكينة بنت الحسين وهي تستصرخ عمها البطل العباس بن علي سقاء كربلاء لكي يأتي لها بالماء من الأعداء الذين منعوا عنهم الماء ، استكثروا عليهم الماء ليشربوا ، ماذا لو كان رسول الله حاضرا ويرى حبيبه وابنه وريحانته الحسين عليه السلام يحمل ابنه عبدالله الطفل الرضيع ويستحلفهم بالله أن يلطفوا بحال الرضيع الذي يصرخ من العطش فكان الرد سهما قطع حنجرة الرضيع بين يدي سيد شباب أهل الجنة ، بل ماذا لو رأى قمر بني هاشم سيدنا العباس بن علي عضيد الإمام الحسين وأخوه وحبيبه وهو يفك الحصار عن أخيه وبنات أخيه ويخترق جيوش الأعداء وصفوفهم مقبلا بقلب هصور وشجاعة خالدة رغم العطش والتعب والجروح والحر الشديد وحمام الموت تحيط به من كل حدب وصوب ولكنه لم يكن يفكر إلا بأخيه الحسين وابنة أخيه التي كما نقول في لهجتنا ( تزهمه من الظمأ وشدة العطش ) فاخترق صفوف الأعداء وفرقهم ووصل إلى النهر وقد جهده العطش الشديد وعندما ملأ القرب بالماء وأخذ غرفة بيده ليشرب فتوقف ، أتعلمون لماذا ، إنها الشهامة التي لم يسجل التاريخ لها مثيلا قط ، فضل الموت عطشا وقرر أن لايشرب قطرة ماء قبل أخيه الحسين وبنياته اللواتي شارفن على الموت من شدة العطش وحصار الكفار الزنادقة المجرمين فنفض يده من الماء واستشهد وهو عطشان يقاتل دون أخيه ودون الحق المبين


ماذا سيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يرى ريحانته وحبيبه الحسين وأولاد الحسن والحسين مقطعة أطرافهم ورؤسهم وأجسادهم ملقاة يمثل بها الأعداء والضباع البشرية القذرة ، بل كيف ياترى سيحتمل رؤية العباس وقد أقبل بالماء فحاصره المجرمون وقطعوا يديه وضربوا وجهه الوضاء الجميل والوسيم بالسيوف وفقئت عينه بنبالهم ورماحهم أمام أعين اخوته وبنات أخيه

بالله عليكم هل هذا ماوصاكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كيف سيحتمل هذا وهو لم يحتمل بكاء الحسنين في صغرهما وهما تحت كنفه ورعايته وتحت بصره وجناحه الشريف


ولاأجد وصفا أبلغ من وصف دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت الموالي البار رحمه الله وأسكنه جنات عدن حين قال وكأنه يتكلم بلسان الإمام الحسين عليه السلام مخاطبا جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمه الزهراء وأبوه أمير المؤمنين عليهم صلوات الله وسلامه فيقول دعبل في رائعته المبكية :


بالطفّ حولي من يتامي إخوتي

في الذلّ قد سلبوا القناع وجردّوا


يا جدّ قد منعوا الفرات وقتّلوا

عطشاً فليس لهم هنا لك مورد


يا جدّ إنّ الكلب يشرب آمناً

رياً ونحن عن الفرات نطرّد


يا جدّ لو أبصرتني ورأيتني

والخدّ منّي بالدماء مخدّد


يا جدّ ذا نحر الحسين مضرّج

بالدم والجسم الشريف مجرد


يا جدّ ذا صدر الحسين مرضّض

وألخيل تنزل من عليه وتصعد


يا جدّ ذا نجل الحسين معلل

ومغلّل في قيده ومصفّد


يرنو لوالده ويرنو حاله

وبنو أميّة في العمي لم يهتدوا


يا جدّ ذا شمر يروم بفتكه

ذبح الحسين فأي عين تجمد


حتى إذا أهوي عليه بسيفه

نادي بأخفض صوته يا أوحد


يا خالقي أنت الرقيب عليهم

في فعلهم ظلماً وإنّك تشهد


يا والدي الساقي عليّ المرتضي

نال العدوّ بنا كما قد مهّدوا


يا أمي الزهراء قومي عدّدي

وجميع أملاك السما لك تنجد


رحم الله دعبل وجزاه الله عن أهل بيت رسول الله الدرجات العلى وال


ولكن قبل أن أختم هناك هدية لك أيها الموالي الذي سفحت دموعك وبكيت على ابن بنت نبيك عليهم صلوات وسلامه وهي بشارة لك من الطهر والجمال الذي انسابت حروفي الليلة من أجله وهو الإمام الحسين عليه صلوات الله وسلامه ، بشارة لك أيها الموالي المحب العاشق الذي بكى من حرارة حبه وغضبه ورغبته الجارفة في أن يكون في الطف بجانب سيد السادات الحسين عليه السلام ، هل بكيت وغضبت وتفجرت محاجرك بدموع الولاء والحب فأبشر ثم أبشر من أهل البيت عليهم السلام ومنبع الطهر والكرم والجود في الدنيا والآخرة ومن الحسين عليه السلام تحديدا عليه صلوات الله وسلامه

روى ربيع ابن المنذر عن أبيه قال : سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول : من دمعت عيناه فينا دمعة ، أو قطرت قطرة فينا بوأه الله بها في الجنة أضعافا


هذا لمجرد دمعة أو قطرة فما ظنك بمن ابتلت لحيته بالبكاء عليك ياسيدي ومن ابتل خمارها دموعا وحسرة لأجلك ، ماهذا الحرص والكرم على من أحبك ، كل هذا لأجل دمعة او قطرة ، نحن نبكي ياسيدي ونشعر بالغبن لما جرى من أحداث تهشم القلوب وتعصر الأفئدة ألما لأننا نحبك حبا غير مشروط بجزاء ولاجائزة ولكنك مع هذا آثرت أن تكرم شيعتك وتشفع لهم وتطلب من الله أن يرزق من سفح دمعة فيكم بجنات عرضها السموات والأرض وأضعافها


 وليس هذا بغريب على الذي كان يقسم ماله وكل مايملك على الناس في الدنيا ويعطي كل مايملك لمن طلبه وفي الآخرة يبشرك بالجنة وأضعافا مضاعفة لمجرد دمعة


فكيف بك أخي الحبيب أن يداخلك بعد كل هذا مثقال حبة خردل من شك أو ريبة في دعوتك واتباعك لأهل البيت عليهم السلام ، وهل بعد هذا البيان من دليل وبيان !


سلام الله عليك يارسول الله

سلام على الزهراء البتول الطاهرة وبضعة رسول الله

سلام على سيد الأوصياء وأمير المؤمنين العاملين وصلواته عليهم أجمعين

سلامٌ على الحسين المقتول بكربلاء المضرج بالدماء الزكية وعلى سقاء كربلاء وليث الليوث وبطل الحروب سيدنا أبو الفضل العباس عليه السلام

سلام على بني هاشم الأبطال شهداء الطهر والفداء عليهم سلام الله

سلام على أصحاب الحسين الأبطال الذين اختاروا الآخرة على البقاء في الفانية فخلدهم التاريخ في قلوبنا وتجملت بذكرهم حروفنا وتشوقت للقياهم جموعنا ،

سلام على الحسين سيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله وبضعته وحبيبه وحبيبنا وحشرنا الله في زمرتهم وكل محب موالٍ شجاع صادق ولعنة الله على من عاداهم ورضي بما جرى عليهم من الأولين والآخرين


سلام عليك ياأبا عبدالله الحسين يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا سلام عليك وعلى أمك وأبيك وإخوتك وأخيك الإمام الحسن وعلى زينب الكبرى عقيلة بني هاشم وعلى جدك المصطفى سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليكم أجمعين 


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الغر المحجلين سفن النجاة وحبل الله المتين


اللهم صلّ على محمد وآل محمد


خادم العترة الطاهرة

حمدان بن هادي آل مخلص اليامي الهمداني

تعليقات


  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    شكر وامتنان

    أودّ أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير للأخ والصديق العزيز حمدان بن هادي آل مخلص اليامي الهمداني على مقاله الرائع والقوي عن ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ومعركة كربلاء.

    لقد أبدع حمدان في التعبير عن مشاعره الصادقة وحبه العميق لأهل البيت عليهم السلام، وقدم وصفاً مؤثراً للأحداث المأساوية التي جرت في كربلاء.

    مقالته مليئة بالمعلومات القيّمة والحقائق التاريخية، و تدحض جميع الشبهات والأكاذيب التي تُنشر عن هذه الواقعة الأليمة.

    أُثمن جهود حمدان في نشر الوعي والمعرفة بأهمية هذه الذكرى العظيمة، وأدعو الله أن يجزيه خير الجزاء وأن يوفقنا جميعاً إلى اتباع نهج أهل البيت عليهم السلام.

    جزاك الله خيراً أخي حمدان، وبارك الله فيك وفي عائلتك.

    مع خالص المحبة والتقدير

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

صلاة الكسوف وكيفيتها بطريقة مبسطة

العباقرة وعظمة العقل

أم البنين هي أم المؤمنين